و هنا قد يأتى السؤال و الذى قد يخشى كثير منا الخوض فيه، معتبراً إياه من الهرطقة، بل و قد يستغفر الله تعالى أن خطر شىء كهذا بباله ... و قد يتمسك به البعض الآخر دون تفكير حقيقى ظناً أنه هكذا قد يثبت نظريات بلغت الغاية فى سذاجة الخيال!!
** كيف يخلق من هو بمثل عظمة الله و تمام علمه و حكمته شيئاً به "عيوب" ؟!**
و هنا تتداخل الأفكار ما بين المنطقى و الساذج، و بين اليقين و الشك، فقد تظن أن هذا –ما يسمونه- خطأ الطبيعة .. و هذا يعفينا من الخوض فى السؤال أصلاً، فقد أحلنا الأمر إلى الطبيعة و ليس الخالق سبحانه و تعالى... و كان هذا ليكون صحيحاً فى حالة واحدة... إذا كانت الطبيعة هى الخالق !! و لكن من يؤمن بالله يؤمن أنه خالق كل شىء و هو على كل شىء قدير .... إذاً فهو ليس خطأ الطبيعة !!
إذاً، فهذا خطأ يأتى مع الكثرة، كما فى المصانع.... مع كثرة الصناعة و إرهاق الآلات تظهر مثل هذه الـ"عيوب" ، بدليل أن لكل منها معدل حدوث معروف يقاس بنسبته للمئة و مضاعفاتها !!! رأى هندسى يبدو منطقياً جداً، فى حالة واحدة؛ إذا كان البشر آلات صنعها من لا يحيط بظروف صنعه علماً .... و هذا ليس الحال هنا !!
و ها هو طبيب عالم، أو هكذا يقولون عنه، يأخذ فى شرح كيفية حدوث هذه الـ"عيوب" و كيف أن السبب هو تحولات و تغيرات فى المادة الوراثية للإنسان بسبب عدة عوامل بيئية أو غيرها، و يتحدث عن بعض الأمثلة لأطفال ولدوا كذلك، و متوسط أعمارهم، و كيف أن تطور العلم الحديث يمكن الأطباء اليوم من مد هذا المتوسط، و ابقائهم على قيد الحياة مدة أطول، و لكنها لا تكون كافية فى معظم الأحيان ليعيشوا – ما نصطلح عليه بـ - الحياة الطبيعية !!
و كل هذا قابل للنقاش و الأخذ و الرد ... و لكن مؤخراً راودتنى فكرة، مع النفاش فى مبدأ القضاء و القدر، و عن حقيقة كوننا مصيرين أم مخيرين... و هذا مثال رائع لمن يريد أن يثبت أن الانسان مصير لا يملك اختياراً، و كيف أن هؤلاء الأطفال الصغار فرض عليهم وضع لا مفر منه و لا اختيار لهم فيه !! كانت الفكرة أن من خلقه الله "مختلفاً" عن غيره – و كلنا مختلف- فهو مخلوق هكذا عمداً و ليس عن خطأ... و اذا اعتبرنا أن كل اختلاف عيب، فكلنا معيبون إذاً !!
و مما لا شك فيه أنّا لم نخلق هكذا عبثاً، و بالتأكيد لم يخلق غيرنا، أومن هم مختلفون عنا عبثا كذلك... فلماذا إذاً ؟؟ و هنا أجد الأمر منطقياً أكثر إذا بدأنا بالتفكير؛ لماذا نحن أولاً، قبل أن نسأل لماذا الآخرون ؟!
و هذا يدفعنا إلى الإجابة التى تعودنا عليها جميعاً : قال الله تعالى " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " الذاريات 56 ... و هذا يفتح باب تساؤل آخر: ما تلك العبادة ، و ما صورتها المثلى ، الصورة المرادة ؟؟!! و تتسارع الاجابات إلى أذهاننا على هيئة كلمات كـ " الصلاة و الصوم ..." ، و أصوات كـ" الآذان و تلاوة القرآن بأصوات نحبها" ... و صور كـ "الكعبة و المآذن .... " الخ .. و تتبادر الأفكار والعناوين كـ " عمارة الأرض و الاستخلاف فيها ..."... و يأتى كل مؤمن بعقيدة ما ، أياً كانت ، بما يوازى ذلك فى اعتقاده .
و انطلاقا من هذا الفكر، إذا سلّمنا به، نصل إلى استنتاج هام جداً... أنه إذا كانت هذه هى العبادة المرادة من الله لخلقه، و مع العلم أن من خلقهم الله مختلفين قد لا يقدر بعضهم عليها، أو قد لا يعيش للسن التى تجعله مكلفأ بأدائها.... إذا أخذنا كل هذا فى الاعتبار فسنصل ثانيةً إلى نقس الاستنتاج: أنهم خلقوا عبثاً !!! .... حاشا لله .. !!
إذا دخلنا فى هذه الدائرة العبثية، والتى جررتكم إليها من خلال ما يسميه البعض بالتفكير المنطقى فسنظل فيها للأبد !! لذا ووجب علىّ اضافة بعض الأشياء التى قد تعيد الأمور إلى نصابها، و سأبدأ من حيث انتهيت:
- فكرة مراد الله تعالى من الـ"عبادة": أظنها فكرة أخرى قاصرة من أفكارى، إذ ظننت أن لله شكلا مرادا واحدا من كل خلقه، أو أن أحداً ما يستطيع الالمام به بل و الاستنتاج على أساسه ... وإذاً فلماذا أرسل رسل مختلفون، كل إلى قوم مختلفون، بشرائع تتفق فى الجوهر لا شك، و لكنها تختلف فى الظاهر ؟!!
أما بالنسبة للفكرة الأم، حتى لا ننسى ماذا أوصلنا إلى هنا فى المقام الأول ؛ و هذا لا يتعدى كونه نتاج تفكيرى القاصر للغاية !! فأظن أن جزءاً من الحكمة من وجود ما نسميه –خطأً- بالـ"عيوب الخلقية" هو أن نتعلم، كأى اختلاف خلقه الله كى يعلمنا " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا " الحجرات 13 ...و ربما يكون جزء من الفئة المراد تعليمها هم الأطباء، و ربما يكون جزء من الدرس هو أن العلم مهما بلغ من القدرة ، فهو محدود !
هذا و الله تعالى أعلى وأعلم.
أيمن والى
26/7/08
هناك ١٥ تعليقًا:
الله يفتح عليك يا مولانا
لو أعرف إن الركب بتعمل كل ده كنت طرقعتهم من زمان
عيوب خلقية؟
I believe its all part of the plan, mate
ممكن تراجع العنوان يا أيمن؟
Abnormalities
صوابعك مش شغالة ع الكيبورد ولا إيه؟
التسيير والتخيير موضوع كبيييير
لكن أنا مؤيد للحديث حوله خاصة إن جاء من دكتورنا :)
بلا جاك سبارو بلا ديفي جونز يا جدع :)
الإختلاف في الخلق محمود و لولا وجود من هم أقل منا في عدد الصفات الحميده لما تذكرنا ما أمرنا به رسول الله صلي الله عليه و سلم عندما نري من هو به أذي
(الحمد لله الذي عافانا مما إبتلي به كثيرا من خلقه و فضلنا علي كثير ممن خلق تفضيلا )..صدق رسول الله(ص)
لا أعتقد أنه موضوع للنقاش بقدر ما هو تذكره جميله منك يا أيمن بعظمة الخالق و قدرته علي التمييز بين الناس بالبلاء أو بالإبتلاء...جزاك الله خيرا
لأ يا ديب إسمها anomalies صح و بعدين متعدلش علي الكبير ..أنا بس عندي تعديل علي الكبير في حتة (مصير) هي في الحقيقه إسمها (مسير) فيما أعتقد و إن كان هناك شيء غامض بالنسبه لي فأرجو التوضيح و شكرا
ديب .. استاذنا الكبير و اللى لسة برضه منافق !!
والله يا بيه الموضوع بقاله حوالى 3 اسابيع مش عاوز يتكتب !! فهو من قبل الركب ::))
& so do I ,mate ;)
anomalies = abnormalities .... كما قال بورتوآن
أما عن التسيير والتخيير .. فلا كلام بعد كلام جاك سبارو و ديفي جونز .. فعلا من أحلى ما قرأت فيه.. و يا بيه كلام الصغار أمثالنا لما يوافق عليه جاك سبارو... ده يبقى يا نهار أبيض يعنى يا بيه ...
الهرطقة + نفاق سيادتك ... كدة نار وش !! نورت يا "زعيم"
:P:P
بورتو آآآآن
جزاك الله خيراً انت يا دوك :))
أشكرك على التعليق المبدع كالعادة :)
أما موضوع مسير و مصير ده ... /شوف و أرد عليك .. لأنى كنت أميل ‘لى "مصيّر" لارتباطها بالمصير !! و لكن الأمر يستحق السؤال
آنست و شرفت و كمان لونت يا بورتو :)))
أنا سأيتعد عامدة عن أي تصحيح لغوي... لأني مش هعرف غالبا...
لكني هتشعبط ف الموضوع..... لا أجد ما أعرب به عن فصاحة وبلاغة من يسمي نفسه ( صاحب خيال ساذج !!!) سوى اني لم أستطع منع نفسي من التبسم طوال القراءة...وللتبسم معاني كثيرة...
أما أغنية أبو خاطر...فقدأبكتني كما فعلت أول مرة سمعتها...
وتحياتي أيها الدكتور الفيلسوف...
عجزت عن التعليق لكثرة التساؤلات التى ملئت رأسى و لكن يجب ان اعلق على عبقرية الكاتب رغم تواضعه الشديد..
ندى
أنا الذى حقاً لا أجد ما أعبر به عن سعادتى لتلك الابتسامة ! و لا أستغرب بكاء هذه الرقة أمام تلك الأغنية المؤثرة !!
بس موضوع "فصاحة وبلاغة... و فيلسوف " حضرتك متأكدة إن التعليق ده كان مكانه هنا ؟؟؟!!
أشكرك على مرورك الرائع، و تعليقك الذى دائماً ما يبهرنى و يعجزنى !!
تحياتى أيتها الشاعرة الرقيقة :)
يارا
ايه الهنا اللى أنا فيه ده .. كل الشعراء ورا بعض كدة ، و كمان كلهم غلطانيين فى العنوان !!! طب يا جماعة قولوا لى فين الكاتب العبقرى اللى كنتو رايحينله ده .. آجى معاكو ؟!!
أما التعليق ، فسأنتظره بعدأن تهدأ تلك التساؤلات ؛)
و كما يحدث دائما حين تمرين من هنا، الطب و سنينه نورت يا دوك :)
ايمن حبيبي
موضوعك رائع جدا
بس ممكن ان ننظر لموضوع من وجهة نظر اخري
ان الاصل في حياة الانسان هو الابتلاء مش الكمال
عشان دايما يحس الانسان بضعفه واحتياجه له تبارك وتعالي
ف احنا من الاخر كلنا عيوب ولا يوجد منا انسان كامل ولكن عند البعض قد يكون ذلك النقص ظاهري او خارجي
ثم من جهة اخري حول زيادة متوسط اعمار الناس نحن نعمل علي الاحصاء
ولكن لا احد منا يستطيع ان يجزم ان ذلك المريض سيعيش او يموت بنسبة مية في المية
يعني مثلا لما نتكلم ف ال prognosis of basal cell carcinoma
نقدر نقول 100% survival rate
بس ف الحقيقة ممكن العيان يموت من اي سبب تاني انا مش واخد بالي منه
ونلرجع تاني ده مش معناه ان حنبطل نحط توقعات الحياة لكل مريض بالاحصا
او توقعات الاستجابة الامراض لطرق معينة للعلاج كل ده اجتهاد مننا لكن ف الحقيقة نحن لا نملك شيء
دكتور أيمن
تسمحلي أعلق :)
بوست رائع، حقيقة أخجل اني ماجتش هنا قبل كده
انا لية رأي بسيط و ان كان مش هيفرق، انا دايما ببص على العيوب الخلقية أو أي ابنلاءات ان كل واحد لازم يكون له نصيب منهاو بيبقى له عوض في الدنيا أو الآخرة
ايه الحكمة ؟ تعبت من التفكير، و في النهاية أي عقل بشري قاصر انه يوصل لحاجة، كل اللي ببصله رحمة ربنا في الآخرة
واضح إنى ماجيتش هنا من زمان .. أعتذر عن تأخرى !!
اسلام.. دكتورنا :))
وجهة نظرك الأخرى .. صحيحة جداً و رائعة جداً جداً ... صدقت :)
و نحن فعلا لا نملك شيئاً !!
نورت يا بيه :)
سارة عطوة :)
يا فندم انتِ تنورى .. المدونة مدونتك :)) و يا ريت دايماً تنورينا :)
رأيك الـ"بسيط" اللى أكيد "هيفرق" طبعاً .. صح جداً.. ربنا بيعوض كل واحد بطريقة تناسبه، و هو سبحانه و تعالى أعلم بذلك !!
و ربنا يعوض علينا دنيا و آخرة :)
نورتى يا فندم، فلا تحرمينا هذا النور :)
السلام عليكم
جميل جدا الاسلوب يا زعيم.. وطريقة عرض الموضوع شيقة ..
.. لغويا (مسير) وليس (مصير) .. على حد علمى
اما بالنسبة للموضوع فهو فعلا محير وممكن تلاقى كل واحد مننا له وجهة نظر فى الموضوع
مثلا:وجهة نظرى مثلا ان هذا الابتلاء:
للانسان المعافى : يعرف فضل ربه عليه حين خلقه بدون هذه العيوب والابتلاءات .. ويعرف قدر النعم التى يتنعم بها ولا يشعر
للانسان المبتلى:
اذا كان ابتلاءه شديدا تجد معه التيسير من الله فى الاحكام او الفرائض والعبادات.
بل قد تجد معه عطاءا ومنح للانسان المبتلى خير من الانسان المعافى ان صبر واحتسب مثل الحديث الذى ذكر فيه ان من فقد عينيه وصبر كان حقا على الله ان يدخله الجنة وكذلك ان دعاء المريض لا يرد او نعم اخرى كاعانته على الصبر والرضى او قوة فى بعض النعم الاخر كالعقل وغيره.
وكذلك اؤيد الراى الذى يرى انه ابتلاء .. حتى يشعر الانسان (المبتلى والمعافى) مدى عجزه وحاجته الى خالقه جل وعلا..
مجرد اختلاف وجهات النظر .. والتاملات .. تجعل الامر اية من الايات .. حاله حال جمال الخلق .. حين تتامل وتتفكر .. لتعرف عظمة الله وقدرته فى خلقه ..
(سنريهم اياتنا فى الافاق وفى انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق)..
الاهم هو ان تكون تذكرة .. وان نصبر ونرضى بقضاء الله .. والا تسير الامور الى جدال وشك او اعتراااض قد يصل بنا الى ما لا يحبه الله ويرضااه..
شكرا على هذا الموضوع الرائع ..
فى رعاية الله
بوب :))
فينك من زمان يا راجل ؟
أشكرك ع التصحيح ، و ع المجاملة كمان ؛)
وأكثر على المناقشة و الرؤية :)
نورت يا ريس .. ابقى تعالى على طول بقى :))
إرسال تعليق